هناك الكثير من الأفكار الخاطئة التي نتناولها، نعيشها وحتى أننا نتناقلها حول الثروة والمال والوفرة والتي ورثناها من عائلاتنا وحتى أصدقاؤنا ومجتمعاتنا.
لذلك ترى أن الأثرياء قلة، وذلك لأنهم يمتلكون أفكارًا مختلفة حول المال والثروة، بينما نحن نتملك أفكارًا مغلوطة نتناقلها بشدِّة وحماسة منقطعة النظير، بشكل مثير للشفقة وقد ترى البعض مستعدًا للموت في سبيل تعزيز تلك الأفكار. لذا أحببت أن أكتب حول بعض هذه الأفكار والتي آمل أنك بقراءتها عزيزي القارئ سوف تغير أفكارك حول المال وسوف تنتهج سياسات أكثر حكمة في التعامل معه والتفكير فيه لاحقًا.
أصرف مافي الجيب يأتيك مافي الغيب
أرجوك لا تفعل ذلك، أنت في معظم الأحوال لن تمتلك نفس القدرة على الكسب طِوال حياتك، لذلك استخدامك لهذا المبدء الدرويش سيضعك لا قدر الله في موقف سخيف يومًا، حيث ستضظر إلى بيع ما تحتاج حتى تجلب الخبز للمائدة. لا تشتري ما لا تحتاج حتى لا تضطر إلى بيع ما تحتاج لاحقًا بثمنٍ بخس. إن معظم الاقتصاديين والمتحدثين حول الاقتصاديات الشخصية ينصحونك بتقسيم دخلك إلى ثلاثة أقسام حيث سنصحونك بالتالي :
مانسبته 50% من دخلك يجب أن يذهب إلى الضروريات مثل الفواتير وإيجار المنزل والمصاريف الصحية وإلخ
مانسبته 30% يمكنك صرفه على رغباتك تلك التي تلازمك دائمًا، مثل شرائك لذلك الهاتف الجديد أو الساعة الفاخرة
ثم ما نسبته 20% يجب أن يذهب كإدخار لك للظروف المستقبلية مثل الطوارئ أو فقدانك لعملك لا قدر الله
جميع الاقتصاديين ينصحونك بإبقاء مصروف 6 أشهر احتياطي لك لا تلمسه في أي حال من الأحوال وذلك أقل القليل للتعامل مع نوبات الحياة ومآزقها المختلفة.
الاعتماد على مصدر دخل واحد
إن امتلاكك لعدة مصادر دخل هو أمان لك من نوائب الزمان بحول الله طبعًا. من ذا الذي كان يعتقد أنه سيكون هناك ما يسمى بفايروس كورونا الذي جعلك عشرات الملايين من الناس تفقد وظائفها فجأة وبدون أي مقدمات؟ لم يكن أحد يعلم ذلك ولم يخطر حتى في بال إبليس وهو يخطط للانقضاض على أولاد آدم -عليه السلام- لذا من المهم أن تمتلك عدة مصادر دخل تبقيك في مأمن مما قد يحصل. ما أقصده هو امتلاكك مثلا لحساب انستغرام تبيع فيه منتجات مثلا. أو حتى امتلاكك لتصميم ملابس تبيعها عبر الانترنت مثلا؟ أو حتى عملك الجانبي كمرشد سياحي أو كمعلم خاص. لا تهم تلك الوظيفة لكن ما يهم هو امتلاكك لعدة مصادر دخل. فكما قال أحد الحكماء ذات مرة “دوام الحال من المحال”
يجب أن تكد وتتعب وتعمل لساعات طويلة حتى تجني المال
إن هذه إحدى أسوأ الأفكار التي تتناقلها الأجيال، جيلًا بعد جيل حريصين على توريث الفقر والعازة للمستقبل. هل هذا يعني أن البنَّاء هو أكثر الناس تحصيلًا للمال؟ هنالك مغالطة منطقية بين العمل الجاد وتحصيل المال بوفرة. إنه لمن المقبول أن تعمل بشكل جاد للغاية ولكن لفترة محدودة حتى تقوم ببناء ما سيجلب المال لك مستقبلًا بدون بذل نفس الجهد والوقت في أول مرة، تذكر أنت لن تمتلك نفس الطاقة للأبد ولكن ستمتلك القدرة على جلب المال للأبد من خلال فهمك لطرق توليد وجلب المال أو كما يقول صديقنا عمَّار “تعلم أن تجلب الخبز للمائدة أولا” لذا، من المهم أن تفرق بين الكد لساعات طويلة للأبد وبين الثروة. خذ مثالًا على المعلمين الذين يعملون لساعات طويلة بين تحضير وشرح وتصحيح وتدريب وتربية، هل تراهم أثرى الناس؟ مثال أخر هو البنًاء الذي يقضي أفضل فترات عمره في بناء المنازل ثم ماذا؟ سيفقد تلك القدرة بعد فترة من الزمن ولن يصبح قادرًا على جلب الخبز للمائدة؟ حينها إن لم يكن يمتلك مصدر آخر للمال لن يتمكن من جلب الخبز للمائدة وسيصبح عالة على أحدهم. لا أقصد التقليل من شأن أحد، ولكنني أتحدث بموضوعية بعيدًا عن العاطفة في ذلك.
الحصول على اقل مما تستحق
لا تقبل أن يقوم أحدهم بتقليل قيمة عملك ونتائجك وأن يدفع لك أقل مما تستحق. أعلم أن هذا موضوع شائك للغاية فأنت يجب أن تأخذ مقابل القيمة التي تجلبها وليس مقابل الساعات التي تقضيها. خذ مثالاً على موظف المبيعات فما يجب أن يجنيه من المال هو فعلا مقابل القيمة التي يجلبها للمنشأة أو الشركة وليس مقابل أي أمر آخر مثل الزيارات الميدانية أو ساعات العمل والخ من مؤشراء قياس الأداء الأخرى.
البقاء كما أنت من غير تطور
صدق أو لا تصدق، إن بقيت كما أنت دون تطور على مستوى مهاراتك العملية ستبقى على نفس قيمتك السوقية لفترة ثم سوف تنخفض قيمتك السوقية وبالتالي سوف ينخفض أو يتوقف دخلك بسبب دخول كفاءات عاملة للسوق تمتلك قدرات أفضل منك وتستطيع تقديم نتائج أفضل وبالتالي يستحقون مدخولًا أعلى. أعتقد أن المستثمر الشهير وارن بافيت قال يومًا “أفضل استثمار تقوم به هو استثمارك بنفسك” وذلك من خلال تطوير مهاراتك العملية في مجال عملك وخوض تجارب جديدة ذلك سوف يرفع قيمتك السوقية وقد يأخذك إلى مستوى مختلف من الحياة والتجارب، ومن تجربة أقول أنه أمر يستحق النظر فيه ثم البدء بتطبيقه بأسرع ما يمكن.
تعتقد أنه هناك وسيلة واحدة فقط للحصول على المال
أنت مسكين إن كنت تعتقد ذلك.
إذا كنت تعتقد أن الثروة شر مطلق
لا يكمن الشر المطلق في الثروة التي تمتلكها، وإنما فيما تفعله بهذه الثروة. عمومًا يمتلك العديد تلك النظرة التي تقول أن الأثرياء شريرون للغاية وطماعون ولصوص وإلخ من هذه الصفات السيئة. في الحقيقة، أو في معظم الحقيقة هم أشخاص عرفوا من أين تؤكل الكتف وقاموا بما يجب لتكوين ثروة تجعلهم لا يستيقظون كل يوم للعمل لأجل سداد الفواتير. وإنما يستيقظون ويعملون لأنهم يستطيعون جَني المَزيد من المال وتقديم المزيد من القيمة. ففي الحقيقة، تكمن الثروة في القيمة التي تقدمها للناس وفي الامتيازات التي تمتلكها مثل العلاقات والمعرفة بطرق توليد المال ومعرفة السوق والقدرة على استغلال الفرص. لا يهم كل ما سبق إن لم تمتلك القدرة على استغلال الفرصة والقدرة على التنفيذ دون التنظير فقط.
ستصبح ثريًا من خلال الوظيفة
في الغالب، لن تصبح ثريًا من خلال وظيفتك، وإنما قد تكون من أصحاب الدخل المرتفع. لكل قاعدة شواذ بالتأكيد فقد سمعت شخصًا يتحدث ذات مرة أن شركة كريم قد صنعت 30 مليونيرًا. بغض النظر عن صحة ذلك من عدمه، فعملك في شركة ناشئة مثل كريم قد يجعلك تمتلك أسهم الموظفين، تلك الأسهم التي قد تجعلك مليونيرًا في حال تم الاستحواذ على الشركة. لكنها ضربة حظ ولا يمكن للجميع تحقيق ذلك. إذًا الوظيفة لن تجعلك ثريًا يا صديقي. لن تجعلك ثريًا أبدًا
في نهاية المطاف، أنصحك بقراءة كتابين مهمين على مستوى الاقتصاد الشخصي وهم كتاب الأب الغني والأب الفقير وكتاب أغنى رجل في بابل. أتمنى أن تكون الحرية المالية حليفك القادم يا صديقي وأن تنعم برغد العيش وامكانيات الحياة. إن في جعبة الحياة الكثير مما يمكنها تقديمه لك، إن أطال الله في عُمُرك.
تحياتي واحتراماتي لك من مقهاي المفضل في مدينة جدة!