اصنع المزيد من الذكريات

تمتلئ المطارات والموانئ ومحطات القطارات والباصات بأولائك الذين يرحلون عن أحد، عن شيء ما أو عن قصةٍ تاركين خلفهم الذكريات بحلوها ومُرها. في كل يوم نحن نرحل ونغادر ونذهب، فما الحياة إلا رحلة، أليس كذلك؟ أليس هذا مغزى الحياة فهي لا تتوقف على أحد. لن تنهار الحياة بعظمتها لأن شخصًا ما اختار الرحيل، أو لأن شخصًا ما انتهى أجله فالحياة تمشي مِشية الخُيلاء بكل عظمتها وجبروتها وكأنها تقول: من أنت؟

وأنت تعيش هذه الحياة بحلوها ومُرها سوف تلتقي بالكثير من الأرواح، نعم الأرواح وليس النَّاس. سوف تلتقيهم في مدرستك، حارتك وعملك، سوف تلتقيهم في ناديك الرياضي او أثناء ممارستك هوايتك المفضلة، لَسوف تلتقي بالكثير جدًا من الناس في أيامك على هذا الكوكب الكبير للغاية، إلا أنك سوف لن تتذكر إلا القليل جدًا منهم. أولائك الذين في البداية تقاطعت بِك الطرق معهم لصدفةٍ ما، لظرفٍ ما بطريقةٍ ما. ثم لسوف تسنح لك الفُرصة في أن تتعرف عليهم أكثر، عن قرب ولسوف تتحدثون بدايةً في أمورٍ سطحية ولأن أرواحكم قد التقت فلسوف تتطور هذه المُحادثات لتصبح أعمق، أعظم وأعذب. سوف تنتقل لقاءاتكم العابرة أينما كانت من لقاءات دورية، من مجرد أشخاص تلتقيهم في عملك، مدرستك أو ناديك الرياضي إلى أشخاص تحب وجودهم، تحب العمل معهم والحديث معهم. ثم من محبةِ الوجود إلى اشتياق حين يغيبون، فلن يصبح المكانُ مكانك بدونهم، لن يصبح النادي ناديك بدونهم أو حتى لن يصبح مكتبك هو مكتبك بدونهم. سوف تكتشف أنك تكره غيابهم أكثر من محبتك لوجودهم، سوف لن تطيق غيابهم عنك.

ولهذا كُله، ولأن النَّاس يرحلون دائمًا فهذه سُنة الحياة، عليك بصناعة المزيد من الذكريات الرائعة مع هذه الأرواح الطيبة لأن الزمان سوف يمضي ولن تعود هذه الأيام ولسوف تأتيك أيام في المستقبل رائعة كذلك بإذن الله. إلا أنه عليك أن تصنع قدر ما تستطيع من ذكريات مع أولائك الذين تحبهم لأن النَّاس ترحل، أو تختار الرحيل ليس نقصًا فيك وإنما لأن رحلتكم قد تقاطعت لفترة وآن آوان الرحيل واكمال الرحلة التي يريدونها. لن تتذكر الناس سوى المواقف، الجميل منها والسيئ لذا اصنع الكثير من الذكريات الجميلة.

إذا أحببت أحدًا تكلم، إذا شعرت بالحزن من أحدهم تكلم، إذا اشتقت لأحدهم تكلم! لا تكن مثلي لا تعبر إلا من خلال الكتابة على مدونة لن يقرؤها أولائك الذين تُحب. أرسل رسالة أو اتصل، فاجئهم بهدية مهما كانت بسيطة مثل دونات لذيذة من مكانٍ لذيذ. على أي حال يا صديقي ويا صديقتي عليكم بصناعة المزيد من الذكريات مع أولائك الذين تحبون قبل فوات الآوان. وحين يأتي موعد الرحيل تقبَّل الأمر بصدرٍ رحبٍ فالحياة تمضي والنَّاس راحلون.

من مقهى خالٍ من النَّاس على طاولة خشبية وكرسي خشبي كتبت هذه المقالة، الساعة تجاوزت منتصف الليل.
علي بن محمد القضاة

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s