أطفال الثقافة الثالثة

أنت سوري ليش بتسأل كل هاي الأسئلة؟ هذا سؤال سألني إياه رجل أثناء رحلة بالباص من مدينة إربد إلى عمَّان. طبعًا لهجتي السورية أخذتها عن والدتي العزيزة. ملامحي خليجية، حضرتك من الكويت؟ سألني عامل المحطة في عمَّان وأنا أقوم بتعبئة سيارتي بالوقود استعدادًا لرحلة بالسيارة في أنحاء الأردن.  لم يصدق أيًا منهم أنني أردني إلا حين أبرزت هويتي الوطنية

في الأردن، يعاملني الجميع كأنني خليجي بسبب ملامحي وطريقة تصرفي غير مصدقين بأنني أردني إلا حين اظهار هويتي الشخصية والتي تثبت نسبي لعشيرة كبيرة من عشائر محافظة عجلون. وفي جدة أنا أجنبي ( وأنا لا أعترض على الموقف القانوني للمقيمين في السعودية)، علمًا بأنني أعرف جدة والسعودية أكثر من الأردن وهي الدولة التي أحمل جواز سفرها. قد يأتي البعض ويقول لا تلومنا فهذه أنظمة الدولة التي تمنع التجنيس وأنا لا ألوم أحدًا سوا الوضع الاقتصادي في الأردن الذي دفع والدي -رحمه الله- للهجرة إلى المملكة العربية السعودية بحثًا عن لقمة العيش الشريفة.

الفرص التي وفرتها لي المملكة الحبيبة لا يمكنني عدها وذكرها، ففضلها علي منذ بداية حياتي وحتى هذه اللحظة وفي المستقبل، سوف أظل ممنونًا لذها البلد المعطاء ولهذه الحكومة الكريمة وهذا الشعب الحبيب. إلا أنني أعاني من معضلة وهي أنني أجنبي في المملكة وأجنبي في الأردن. يعاملني كلا الطرفان بناءً على ذلك ولأنني أجنبي في كلا البلدين فلم أعد أعرف إلى من أنتمي؟ (ملاحظة: الوضع القانوني مقيم.) اللهم لا اعتراض.

أهل والدتي من سوريا، مما يعني أنني أعرف الكثير عن سوريا وأتحدث اللهجة بشكل مُتقن إلا أنَّ مشاعرهم تجاهي متضاربة. تارةً يدعونني إلى مناسبات الجالية السورية وتارةً لا. لا تعرف موقفهم ولا يمكنني لومهم على شيء إلا أنني بين ثلاث دول سوريا ،الأردن والسعودية وأشعر بالانتماء لكل واحدة منهم إلا أنني في نفس الوقت بعيدٌ للغاية عنهم. عند وفاة والدي رحمه الله قلت أن من كان يربطني بالأردن قد انتهى إلا أنني أشعر بالندم تجاه شعوري ذلك. لدي الكثير من الأهل في الأردن إلا أنني لا أعرفهم جميعًا وحين زيارتهم فأنا ضيف فيستقبلونني بكل حب وكرم وتقدير. لدي الكثير من الأقارب الذين لا أعرف أسماءهم وأنا أشعر بالخجل من ذلك إلا أنني لست المُلام في هذه اللحظة.

إلى من أنتمي؟ أي البلاد أقول أنها بلدي؟ أين أستقر في المستقبل؟ عاش والدي عشرات السنين في الخارج إلا أنه توفي رحمه الله في الأردن ووارى الثرى في قريته عين جنَّا بعد سنين طويلة وصولات وجولات في قارات العالم المختلفة. هل أتحدث باللهجة السورية التي أتقنها؟ أم بالحجازية التي أتقنها؟ لا يمكنني التحدث باللهجة الأردنية إلا أنني أحفظ بضع كلمات من هنا وهُناك مما كنت أسمعه عن والدي في بعض الأحيان. حتى والدي تأثر بلهجة والدتي وأصبحت لهجته أرق. سبحان مغير الأحوال.

في الحقيقة لا يمكنني تخيل فكرة العيش بعيدًا عن مدينة جدة، فيها وُلدت وفيها أعرف السوق وفيها يمكنني تدبر أمري بينما في الأردن لا تتجاوز معارفي كفة اليد.

من في حالتي ووضعي يسمون بأطفال الثقافة الثالثة. وهم كما أقتبس من موقع ويكيبيديا: ” هو مصطلح يشير إلى الأشخاص الذين ولدوا أو نشأوا في سنواتهم التأسيسية الأولى في ثقافات غير ثقافاتهم الأصلية التي ينسبون إليها وراثيًا عن طريق آبائهم. يتعرض هؤلاء الأطفال إلى مجموعة متنوعة من التأثيرات الثقافية.”

في حين أن لهذا الوضع مزايا جمَّة، مثل كمية الانفتاح والثقافة والتعلم اللذان تعرضت لهما في المملكة مما أثر على شخصيتي بشكل إيجابي للغاية. جعلني أنظر للحياة بمنظور شخص عاش في دولة متقدمة وغنية وليس بعين شخص عاش بدولة تعاني اقتصاديًا مثل الأردن. لا يمكنني إنكار أن كمية الفرص المتاحة للأطفال في المملكة العربية السعودية أكثر بكثير من تلك المتاحة للأطفال في دولة مثل الأردن وهذا يرجع بشكل أساسي إلى القوة الاقتصادية التي تعيشها المملكة العربية السعودية.

إذًا من أنا؟

المزيد من المقالات قادم حول أطفال الثقافة الثالثة.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s