لا أفهم كيف يمكن للإنسان البقاء على ما هو عليه، إن عدم تطورك يعني بالضرورة تأخرك عن الجميع لأن العالم لا ينتظر، لا يتوقف ولا يهدأ إنما يتقدم للأمام بسرعة خارقة غير اعتيادية. لطالما سألت نفسي ما الذي يدفع الانسان للبقاء على ما هو عليه لفترة طويلة دون تقدم ملحوظ وتطور حقيقي على المستوى الشخصي والمهني والاجتماعي، إنها سُنة الله في الأرض أن نتطور ونتقدم ونتحسن كل يوم، كل ساعة وكل دقيقة.
الأشخاص على ما يبدو يميلون إلى طريقتين، الأولى هي التمسك بشكل قوي بواقعهم الحالي والراحة إليه وفيه وعليه فترى الشخص في وظيفةٍ واحدةٍ ومُهِمَّةٍ واحدةٍ لفترةٍ طويلةٍ للغاية قد تصل إلى عشرات السنيين في بعض الحالات والأمثلة على ذلك كثيرة وعديدة، فقط أنظر حولك وستجد في واقعك القريب جدًا الناس التي اختارت هذا الدرب وهذه الحياة. حيث اكتفوا بالقناعة بما حولهم ومن حولهم، القناعة بالوضع المالي والاجتماعي والمهني المضمون في بعض الحالات. لا ألوم من اختار هذا الطريق ومن أنا حتى ألوم النَّاس على خياراتهم وقناعاتهم وغاياتهم، إلا أنه يحزنني أن أرى الشخص يرضى بحياة أقل من إمكانياته وأقل من قدراته. إن الحياةّ يا صديقي لديها الكثير لتقدمه لك على طبقٍ من ذهب وأحيانًا من فضة، ففي هذه الحياة ما يَسْتَحِقُّ الكِفاح والسَّعي والاجتهاد حتى آخر لحظة.
بعض الأشخاص يحتاج إلى ذلك المُعلم، المُرشد الذي يضعه على الدَّرب، درب الحياة الرغيدة التي لديها الكثير مما يمكنها تقديمه لك عزيزي القارئ، صديقي القارئ لا ترضى بحياة أقل من إمكانياتك، قدراتك وطموحك. قال شمس التبريزي ذات مرة “فليَكن هَمُّك السَّعي، لا الوصول” ما يعني أنه عليك العمل بجد واجتهاد، بإصرارٍ وعزيمةٍ قويين يفتحان لك، بعد توفيق الله عز وجل كل ما يمكن لهذه الدنيا تقديمه لك من أنعامٍ وثروة وجاه ورزق.
الطريقة الأخرى التي يسلكها الناس، هي التقدم للأمام، كل يوم وكل مرة. لِيكن هَمُّك إتمام العمل هذه المرة على أكمل وجه، استمر بالعمل والانجاز بخطوات صغيرة ومستمرة ولا تستسلم، سوف تفشل مرات ومرات ولكنك سوف تصل في النهاية. إذا استرحت فلا تطيل الراحة، فالراحة يا صديقي خطرٌ كبيرٌ أمام التقدم والنمو. عليك بالإلتزام، فبدونه لن تبدأ أصلًا، وبدون الاستمرار والمواصلة والإصرار لن تنهي المهمة ولن تصل إلى طموحاتك.
تحية إلى أولاءك الذين يتقدمون للأمام كل سنة وكل يوم وكل لحظة، لا يستسلمون ولا يرضون بحياة أقل من إمكانياتهم. تحية إلى أولائك الذين بدؤوا من الصفر وبنوا أنفسهم شيئًا فشيئًا، تحية لأولائك الذين يساعدون الناس على اكتشاف طاقاتهم وحدودهم، ثم يساعدونهم على تجاوز هذه الحدود الوهمية والانتقال لحياة أكبر وأقدر وأفضل. لا يرضون بواقع الحال ويسعون بشكل مستمر على التحسن والانتقال من حال إلى حال ويعلمون أن في هذه الدنيا ما يستحق السعي والاجتهاد وأن نصيبهم من هذه الدنيا مرتبط بشكل كبير في السعي والنمو والتقدم المستمر.
إنني حينما أتحدث مع الفريق الذي أديره في الشركة التي أعمل بها، أحثهم على التقدم للأمام دائمًا وفي هذا الطريق قد تصيبك الخيبة أحيانًا حيث سترى مقاومة تجاه النمو وتجاه التقدم، تلك المقاومة الطبيعية التي قاموا ببنائها على مر السنين، تلك الرغبة العارمة بالميل إلى الاستراحة والدِّعة إلى الوضع الحالي والرضا بما هم عليه. قد يفضل الناس الاسترخاء والراحة، الأحاديث المضحكة والسواليف الرائعة التي تجعل الوقت يمضي سريعًا. يفضلون الأعمال الروتينية التي لا تتطلب التفكير، البحث أو الاجتهاد إلا أنه عليك كقائد لهذا الفريق أن تشجعهم على تخطي الحدود التي قاموا ببنائها في مخيلاتهم، ساعدهم على الانتقال من حال إلى حال ومن مستوى إلى مستوىً أعلى. من الروتين إلى التحدي المستمر وما أجمل ذلك الشعور الذي سوف ينتابك حين ترى الأشخاص يتجاوزن حدودهم وينتقلون من منطقة الراحة إلى منطقة النمو المستمر والتقدم المذهل.
تحية لأولائك الذين يدمنون على التقدم
علي